ولادته ونسبه وتمأسسه العلميّ
(148 هـ - 180 هـ / 765 - 796م) عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاءيُكنى أبو بشر، الملقب بـ: سيبويه؛ وسيبويه لفظة فارسيّة الأصل وتعني (رائحة التفّاح)، ولعلّ سبب حيازته هذا اللقب راجع إلى احمرار وجنتَيْه وجمال إطلالته، ما أدّى إلى نوله هذا اللقب.
يتحدّر من أصل فارسيّ، وقد ورد وعائلته العراق رغبةً في التقرّب من مصدر القوّة الحضاريّة التي كانت متمثّلة بالعصر العبّاسيّ، حيث كانت السطوة لهم، دينيًّا ولغويًّا...
ومن هنا بدأت مسيرته مع اللغة العربيّة، إذ إنّه عكف على تعلّمها وإجادتها على يد أعلام تركوا بصمتهم في مؤلّفات تلامذتهم؛ ومنهم "يونس بن حبيب"[1] و"عيسى بن عمر"[2]
ولكنّ أبرز من أثّر تأثيرًا ملموسًا في سيبويه وشكّل فيه الكيان العلميّ كان شيخ العربيّة وكبيرها "الخليل بن أحمد الفراهيدي"، وهو صاحب نظريّة "العَروض" ومبتكر أوّل معجم في اللغة العربيّة وهو "معجم العين".
على هذا النحو كان تأسيس "سيبويه"، وهو تأسيس مهمّ سنرى تأثيره لاحقًا، ولاسيّما عندما شرع سيبويه في تأليف "الكتاب" أو "كتاب سيبويه"؛ وهو أوّل كتاب لخّص النحو العربيّ ويسّر القواعد العربيّة.
محطّات مهمّة في حياته
أ- تأليف كتابه "الكتاب"
لم يعد خافيًا أن سيبويه قد تدرّج في علم العربيّة تدرّجات تمهيديّة، وهو قد أخذها من خلال التدريس عبر الشيوخ الذين ذكرناهم آنفًا...
ولكن ما لاحظه أنّ هذه المعارف والعلوم قد تضيع إذا بقيت مقترنة في الأحاديث فحسب؛ وقد بدأ بعقله التجميعيّ يفكّر في منهج أو ضابط يحصر هذا الكلام في قالب يسهل استرجاعه واستذكاره، فشرع في تأليف كتابه الذي وُسِم بـ "الكتاب"
واللافت في الأمر أن لا تاريخ لهذا الكتاب، أي ليس هناك من زمن محدّد يعيننا في معرفة متى شرع سيبويه بتأليفه ومتى فرغ منه، إذ إنّه لم يبصر النور في حياته، بل احتاجت العرب إلى تلميذه الأخفش[3] الذي عمد إلى نشر هذا الكتاب بعد ممات أستاذه سيبويه.
والثابت أنّ الكتاب قد أخذ قسطًا وافرًا من وقت سيبويه وجهده حتّى إنضاجه وتبلوره، حتّى غدا أوّل كتاب من نوعه في أصول العربيّة نحوًا وصرقًا وإعرابًا وفقهًا.
وقد قسم الكتاب أبوابًا تناولت الكلام العربيّ وأصله وصولًا إلى مدلولاته، واللافت في الأمر أن سيبويه توخّى دائمًا الدرس الصوتي في تسويغه مجمل الحالات والأمثلة
وقد عاد إلى اللغة من مصافيها الأصيلة، وهذا ما أيّد الرأي القائل بأن الرجل كان وصفيًّا ومدوّنته قامت بشكل حديث من ناحية أساليب الدراسة والمنهج.
وعلى جميع الأحوال يبقى كتاب سيبويه حتى يومنا هذا من أمّات الكتب العربيّة وأكثرها تجلّيًا وخدمة للغة العربيّة من حيث تدريس نظمها النحويّة.
ب- المسألة الزنبوريّة ونهاية حياة سيبويه
لقد شُغِف سيبويه بعلم النحو شغفًا كانت تداعياته خطيرة على حياته، وما لبس أن صرعه هذا العلم وتسبّب في إنهاء حياته وهو في ريعان الشباب ولم يتجاوز الأربعين بعد، وما المسألة الزنبوريّة إلّا من أسباب هذه النهاية الغريبة نوعًا ما بالنسبة إلى سيبويه.
والمسألة الزنبوريّة هي مناظرة كان قد أجراها سيبويه مع عالم نحو آخر، وهو "الكسائيّ"[4]
إذ اجتمعا في مجلس من مجالس "بغداد"، وحينها أُثيرَت هذه المسألة، وكان طرْحُ القضيّة أساسًا مبنيًّا على مقولة أوردها "الكسائيّ" لكي يردّ عليها سيبويه
وقد سأله: كيف تقول : "كنتُ أظن أن العقربَ أشد لسعة من الزنبور[5] فإذا هو هي ، أم فإذا هو إياها؟" وقد ردّ سيبويه أنّه يقول: هو هي، ولم يجز النصب فيها؛ وسرعان ما خطّأه الكسائيّ في الأمر
وقال: بل وجب عليك النصب (هو إيّاها)... وقد طال النقاش في المسألة، ولم يُبَت فيها إلّا عند اللجوء إلى الأعراب[6] الذين أيّدوا الكسائيّ وخالفوا سيبويه...
وهكذا مضى سيبويه إلى بلاد فارس مغمومًا ويشعر بثقل الهزيمة أمام الكسائيّ، حتّى لقِيَ مصرعه بعد فترة وجيزة من انعقاد هذه المناظرة... وهكذا كانت نهاية واحد من ألمع العلماء العرب، وصاحب الطلقة الأولى في التأليف النحوي العربيّ.
إحالات:
أبو البركات الأنباريّ،
الإنصاف في مسائل الخلاف.
ابن خلّكان، وفيات
الأعيان وأبناء الزمان.
1- من شيوخ العربيّة، عالم لغة ونحو وفقه تواجد في العراق وتتلمذ على يديه الكثير من أعلام العربيّة الذين ألّفوا فيها.
2- من شيوخ العربيّة، كان من شيوخ البصرة ومدرسّي اللغة المرموقبين، وهو صاحب المقولة الشهيرة: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنّة! افرنقعوا عنّي! وهذه من الطرائف اللغويّة أو من عجائبها
3- أبو الحسن سعيد بن مسعدة، كان في البصرة ولزم سيبويه وتتلمذ على يديه، تدين له اللغة العربيّة بأنّه هو من نقل كتاب سيبويه قد يبصر النور.
4- أبو الحسن عليّ بن حمزة بن بهمن الكسائيّ، وُلِدَ في الكوفة وكان من أئمّة اللغة فيها، وقد ناظر سيبويه في المسألة الزنبوريّة وتغلّب عليه.
5- حشرة تشبه النحلة، ولسعتها شديدة الألم.
6- مجموعة من عرب البادية الذين لم يدخل اللحن أو الخطأ في ألسنتهم بعد بسبب الانفتاح الحضاريّ وعوامل أخرى تؤثّر في اللغة العربيّة.
4- أبو الحسن عليّ بن حمزة بن بهمن الكسائيّ، وُلِدَ في الكوفة وكان من أئمّة اللغة فيها، وقد ناظر سيبويه في المسألة الزنبوريّة وتغلّب عليه.
5- حشرة تشبه النحلة، ولسعتها شديدة الألم.
6- مجموعة من عرب البادية الذين لم يدخل اللحن أو الخطأ في ألسنتهم بعد بسبب الانفتاح الحضاريّ وعوامل أخرى تؤثّر في اللغة العربيّة.
تعليقات
إرسال تعليق