قصة قصيرة بعنوان روح القصيدة
كثيرًا ما أكرّر نشر بعض النّصوص، فهي وسيلة ألوذ بها لأحتمل العيش في مدن الضجيج الخاليةِ من شموخ النّخيل.
هذا نصّ حوارٍ دارَ بينَ مجنونٍ ، وعابر خيال ، يسكنان ذات المنفيّ من بلاد النوم…
وليس على المجنونِ حَرَج …
فشاء أن ينضّد الحوار تحت عنوان :
هذا نصّ حوارٍ دارَ بينَ مجنونٍ ، وعابر خيال ، يسكنان ذات المنفيّ من بلاد النوم…
وليس على المجنونِ حَرَج …
فشاء أن ينضّد الحوار تحت عنوان :
روح القصيدة
تقولُ الأسطورةُ أنّها لم تكنْ إحدى بناتِ آدم ، ولم يكنْ كذلكم لها منَ الجنّ نَسَبٌ …
وحدهُ ، ذلكَ المجنونُ الهائمُ على وجه الخيالِ أدرَكَها في عينيهِ لغةً وفي ضآلته حواسًا يقرأ الوجود بها…
وحده ، ذلكَ الغارقُ في حوارات صمته ، وضجيج سكونه ، سألَ السماءَ عنها حينَ خلَعَ وَحلَهُ يومًا ؛ كي لا يُشابهَ للطّينِ طينًا…
وحده ، أتقنها ، وخبّأ السرَّ ، إلى أنْ التقى يومًا عابرَ خيالٍ عندَ شاطئ الحرفِ ، ينوء بمنفاه السّاكنِ فيهِ ، فاقترب المجنون منه ، يستطلعُ أمرَهُ قائلاً :
وحدهُ ، ذلكَ المجنونُ الهائمُ على وجه الخيالِ أدرَكَها في عينيهِ لغةً وفي ضآلته حواسًا يقرأ الوجود بها…
وحده ، ذلكَ الغارقُ في حوارات صمته ، وضجيج سكونه ، سألَ السماءَ عنها حينَ خلَعَ وَحلَهُ يومًا ؛ كي لا يُشابهَ للطّينِ طينًا…
وحده ، أتقنها ، وخبّأ السرَّ ، إلى أنْ التقى يومًا عابرَ خيالٍ عندَ شاطئ الحرفِ ، ينوء بمنفاه السّاكنِ فيهِ ، فاقترب المجنون منه ، يستطلعُ أمرَهُ قائلاً :
- أراكَ وقَدْ أخذَ منكَ النّصَبُ كلّ مأخذٍ. ألا تُلقي برحلِكَ فتريحَ قدميكَ من جهدِ المسافة ، وقلبَكَ مِنْ وعثاء السّفر؟
- تبسّمُ العابرُ مجيبًا : ما بي يا صاح ليسَ من طولِ خَطوٍ ، فأنا بلا أقدامي أسير. ولا من وحشة طريق ، فعزوتي كثرٌ ، لكنّي آثرتُ دونهم أرتحلُ ، ولي من الذاتِ أنيسٌ .
وإنّما أرهقني البحثُ عن عنوانٍ يليقُ بقصيدةِ روحي ، وقد أرشدني القلبُ أنّهُ في عَيْنَيّ ساديّةِ الجمالِ يسكنُ، فارتحلتُ قبلَ ولادتي أسألُ عنها الوجوه .
- المجنون : أأنتَ شاعرٌ ؟
- العابرُ : لا ، وإنّما احاول تسلّقَ ادراجِ القصائدِ ، حتّى إذا التقيتها صرتُ ...
- المجنون : أتعدني إنْ أرشدتكَ إلى عنوان أنثاكَ أن تأخذَ شفتيّ لتكتبَ قصيدةَ نبضِكَ على مساحات جسدها ؟
- العابرُ : لكَ وعدي .
- المجنون : فاسمعْ إذن…
ههنا في شمال صحراء صدري واحةٌ وحيدةٌ ، بها أسكنتها ، فاخلعْ نعليكَ ، وتوضّأ بالدّمعِ لتليق لمحراب عينيها الدّخول…
هناكَ في أقصى القلبِ تعثرها ، تعزفُ فيهِ نبضَ الوريد…
هناكَ تراها ..
ليسَت كأي انثى، بل هي ليلٌ تكشّفَ عن حقلِ حنطةٍ ، فيه ما خبّأ الليلاكُ ، واسرّ الماء ، لينسدلَ على شلاّلِ عطرٍ مستدير الانسكاب.
فإذا نظَرتهُ مقابلاً ؛ وجدتهُ يتّصلُ بواسع سهلٍ يفوح بشذى الحياةِ بين الرّمانِ والعنبِ ، وقد جرى عن جانبيه بنهرينِ من سِحرٍ ، ينتهيانِ عند شاطئينِ تزينُ كلٌّ منهما خمسةُ جذوعٍ من الياسمين .
وإذا ما نظرته مخالفًا ؛ وجدته ينسابُ معرّجًا على سبعةٍ وثلاثين نبعًا ، تنبجسُ من أعلاها أربعٌ وعشرون ساقيةً ، تجتمع بحيرةَ مرمرٍ لتلتفَّ على حقلي عبيرٍ تزهو فوقهما رابيتانِ تنضحـانِ بأريجٍ ، فيه إكسيرُ الحياة .
وإن بامتداد الجمالِ غشيَ بصرُكَ ؛ فاصمتْ واصغِ لصمتها ينطقُ لغة الرّوحِ بأبلغ عباراتها…
وإنْ هي تكلَّمَتْ ؛ فاثمُلْ لحديثِ الغيم في صوتها يناغي شفاه الزّنابق .
ثمّ انهارت عينا العابرِ دفعةً ، فاغتسلَ بدمعه ، وعبرَ الوتينَ من المجنون ، لِيعَنْوِنَ باسمها قصيدة روحه ، لا ، بل لتصيرَ هي روح القصيدة ..
منذها صارَ للشعرِ لغةٌ أخرى ...
وإذا ما نظرته مخالفًا ؛ وجدته ينسابُ معرّجًا على سبعةٍ وثلاثين نبعًا ، تنبجسُ من أعلاها أربعٌ وعشرون ساقيةً ، تجتمع بحيرةَ مرمرٍ لتلتفَّ على حقلي عبيرٍ تزهو فوقهما رابيتانِ تنضحـانِ بأريجٍ ، فيه إكسيرُ الحياة .
وإن بامتداد الجمالِ غشيَ بصرُكَ ؛ فاصمتْ واصغِ لصمتها ينطقُ لغة الرّوحِ بأبلغ عباراتها…
وإنْ هي تكلَّمَتْ ؛ فاثمُلْ لحديثِ الغيم في صوتها يناغي شفاه الزّنابق .
- العابر : كفى .. كفى .. مثلُها ينتقصُ جمالَها الوصفُ ..
ثمّ انهارت عينا العابرِ دفعةً ، فاغتسلَ بدمعه ، وعبرَ الوتينَ من المجنون ، لِيعَنْوِنَ باسمها قصيدة روحه ، لا ، بل لتصيرَ هي روح القصيدة ..
منذها صارَ للشعرِ لغةٌ أخرى ...
بقلم الأستاذ الأديب مصطفى سعيّد
تعليقات
إرسال تعليق