يا الّذي تُطفي الهوى بالصّبرِ
لا باللّهِ
كيفَ النارُ تُطفي النارْ ؟!
ـ مظفّر النّوّاب ـ
وطَنٌ لروحي أنتِ
حبيبتي ..
وسكنتِ خيالي قدرًا ..
ولمّا يزل في كلّي طيفكِ يحضرُ ..
بينَ دفتيّ كتاب أقرؤه لأعيشكِ ..
في حبرٍ أحقنُ عروق الأوراق به لأستحضركِ فيها حيـاةً ..
في كلّ جمـالٍ تجمعُـه عيناي لتصنعَ صورتكِ ..
في كلّ عطرٍ أنشقهُ لتنتشي الروح بكِ…
أنتِ التي لا اراها في الوجوه…
ولكنّي في القلب سمعتكِ حينَ صرخْتِ في وجهي :
" كيفَ تكونُ ضعيفًا هكذا ؟ كيفَ تحبّني ؟"…
فجمعتُ كلّ ضعفي في محاولةٍ للإجابةِ على سؤالكِ .
وكعادتي يا حبيبتي ، حين يحادثني طيفكِ أعتزلني مُنْصتًا ، وفي إنصاتي بحثٌ عن مفرداتٍ تكون بحجم عشقي لعينيكِ ، وأنت المحالُ الذي لا تحيط بهِ كلّ الأبجديّاتِ . فكيفَ أجيبكِ ؟ وأنا المتضائلُ عن بلوغِ نقطةٍ تذيّل علامة استفهامٍ انهيتِ السـّؤالَ بها !..
ربّما إجابتي الوحيدة : أنّني لا أعرف ..
ولا أستطيعُ يا حبيبتي الحديثَ عمّا لا أعرف…
لا اعرفُ لمَ أنتِ ؟ ومنْ أنتِ ؟ وكيفَ تكونين في مدن النوم بين أصواتِ الغطيط ، وقرقعة الهياكل العظميّة ...
ولكنّي أعرفُ ، بيقينٍ لا يقبل الشكّ بأنّي أحبّكِ .. كثيرًا أحبّكِ .. وأنّكِ القصيدة التي نظمتُها قبلَ أنْ أُولدَ ؛ والّتي لا تُخطُّ إلاّ على صفحةِ الرّوحِ ، بحروفِ الخفقِ وحبرِ المدامع ..
أعرفُ ، أنّي هنا وانّكِ هناك ، وثمّة هنالك ما يكمن في ظلّ المسافةِ التي تستوجبها لام البعد وكاف الخطاب بكِ ودوني ، وبي ودونكِ ؛ فلا تأتين إلاّ الرّحيل ، ولا أحضر إلاّ الغياب ..
هي جدليّة جمالك الذي يكبر عن أن يتحقّق ، أو تقصر الحواس عن إدراكه .. لكنّه ، يكمن في روحي عشقًا ، وفي قلبي خفقًا ، وفي عقلي سؤالاً لا جواب له…
وهكذا ، أعيشني فيكِ بينَ الروح والنفس والجسد ، ثلاثيةً لا تختزلها الحروف ، فأكتفي منها بعجزي المندهش في سماءٍ ، صافية بنورها ، متلألئة بنجومها ، او ملبّدةٍ بغيومها… تبقى هي السّماء لا بديل عنها ، إذ لا شبيه لها…
وأعيشكِ فيّ ثلاثيّةٍ لا حدود لها :
في الضوء والظلّ والألوان …
في القلم والحروف والأوراق …
في شفتيّ وثغركِ وصلاة القبلةِ …
في أنفي وشعركِ والعبير ...
في صوتي وأذنكِ والهمس …
في أصابعي وخصـركِ ورعشـة الشريان ...
في رئتي ونهديكِ والأنفاس ...
في كلّ التفاصيل الّتي تتحلّق مثلثاتها لتشكّلَ الدائرة الكبرى لمسار عشقٍ كلّ نهاية فيه بداية…
هذا ما اعرف ..
وأعرفُ أن أستحضركِ ذراعينِ لي فاحضنني وأغرقُ في دمعي ، ثمّ بلا قدمين أسيرُ في الخطوة المجهولة إلى اللاناحية ، ويستنزفني المسيرُ لأصير اعلى مني فأقصدكِ ، وأنتِ الجهات الأربع وسط هذا البكاء الكبير…
ثمّ أهوي دُفعةً ،إذا ما دخلتُ بلاد النوم وطردني الغفوُ ، في غابة من علامات استفهامٍ باسقةٍ .. أهوي .
وأسمعنـي أردّدُ :
لماذا اراكِ ولا وجهَ لكِ في انعكاس المرايا ؟
لماذا اشعركِ وما مسستُ طينكِ ؟
لماذا اهيمُ بكِ ما لا طاقةَ لقلبي على احتوائهِ ؟
لماذا أسمعكِ كأنّكِ الصوت الفريد في اذني؟
أأنتِ الوطن الوحيد الذي سكنتهُ روحي التائهةُ ، كما لم يستطع أن يفعل جسدي الهزيل ؟
ولمَ انتِ ؟ وكيف أنتِ ؟ ..
لا أعرفُ ..
لماذا التقيتكِ؟
ألمُ أرتضِ ان اجلسَ بزاويتي واحترفَ المنفى ؟
ألم استسلم للدنيا ؟
ألم أعلنْ هزيمتي ؟!
لمَ إذن تجيئني بكِ الدنيا في اللحظة الهاربة من عقارب الزّمن ؟
لمَ تعيدينَ ترتيبَ بعثرتي ؟
لمَ تنفضين الغبارَ عن جنوني وتشكّلين بعد تسكينٍ حروفي ؟
ولمَ تنحتين وجهي بما لا يتناسب وهزالتي ؟…
لستُ اعرف في لحظتي هذه إن كانت اناملي تكتبُ مفرداتي ، أو أنّ حواسي تتواطأ عليّ لأغيبَ فيكِ بلا عودة .. او ربّما سكنت روحكِ اصابعي ، بعدما صرتِ في عينيّ لغةً ؛ وحدي اتهجّأُ حروفها ، وأفقه قواعدِها…
أنا حقًّا غائبٌ ..
لا اشعرني إلاّ جنونًا مطلقًا بكِ…
وفي ثورة جنوني أودّ لو احفر الأوراق بيدي ، عساني احظى من عينيكِ غفوةً ..فيها سكونٌ طويل..
شعر للأستاذ مصطفى سعيّد
تعليقات
إرسال تعليق